حكم عن الأم
يُقال إن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، وهذه ليست مجرد عبارة بل حقيقة خالدة تختصر جوهر الأم ودورها المركزي في الحياة الإنسانية. فمنذ الأزل، كانت الأم محور الأسرة ومصدر الحنان الأول، ورمز العطاء غير المشروط، والركيزة التي يستند عليها الكيان الأسري والمجتمعي على حد سواء. وقد انعكس هذا التقدير العميق في مئات الحكم والأقوال المأثورة التي تناولت الأم، عبر العصور والحضارات، باعتبارها الكائن الذي يتفوق في نُبله على كل التعريفات والمفاهيم البشرية.
مكانة الأم في الوعي الإنساني
لطالما حظيت الأم بمكانة مقدسة في مختلف الثقافات والديانات، لما تمثله من معاني التضحية، والصبر، والاحتواء. ففي المجتمعات الشرقية، يُنظر إلى الأم باعتبارها روح المنزل، والمصدر الأصيل للهوية والارتباط بالجذور. وفي الحضارات الغربية، نُظِرَ إليها باعتبارها الرمز الأول للتضحية والاهتمام. أما في الديانات السماوية، فالأم مُكرمة بأسمى درجات التكريم، وقد ورد في القرآن الكريم أكثر من موضع يوصي بالأم، ويُعلي من شأنها، حتى قيل أن الجنة تحت أقدام الأمهات، في تعبير بالغ الدقة عن قدرها ومكانتها.
حكم خالدة عن الأم
لقد عبّر الحكماء والفلاسفة، والشعراء، والعلماء عن امتنانهم للأم بكلمات خالدة لا تزال تتردد حتى اليوم. وفيما يلي عرض لأبرز هذه الحكم التي تمثّل عصارة تجارب إنسانية متنوعة:
| الحكمة | القائل |
|---|---|
| “الأم هي القلب الحقيقي للأسرة” | جورج واشنطن |
| “لم أجد أحداً يمكن أن يضاهي أمي في عطائها” | ألكسندر دوما |
| “مهما يفعل الإنسان فإنه لا يستطيع أن يجازي أمه” | الإمام الشافعي |
| “الأم تظل كما هي، لا تتغير، كل شيء يتغير إلا الأم” | إيفلين بارنز |
| “حين تكتب عن الأم، فإنك تكتب عن النبع، عن الأرض، عن الجذور” | محمود درويش |
| “في العالم شيء واحد خير من الزوجة، هو الأم” | لافونتين |
| “الأم تحب أولادها بلا شروط، حتى وإن أخطأوا” | فولتير |
| “قلب الأم هو مدرسة الطفل” | هنري وارد بيتشر |
| “الأم تصنع الأمة” | نابليون بونابرت |
| “من فقد أمه فقدَ حبًّا لا يعوّض” | شكسبير |
الأم في الأدب العربي
برزت صورة الأم في الأدب العربي بشكل مكثف، حيث كانت تُصوّر في الأغلب بصورة الملاذ، والرمز، والسند. من أشعار الشاعر المصري حافظ إبراهيم إلى خواطر جبران خليل جبران، نجد وصفًا رقيقًا ودقيقًا لدور الأم في تشكيل وعي الفرد ومصيره. ففي قصيدة مشهورة قال إبراهيم طوقان:
“وإذا صَلُحَتْ الأم صَلُحَ الأبناء،
وعمَّ في البيت الوئام والهناء.”
وفي نصوص طه حسين، نجد إشارات مباشرة إلى أثر والدته في تشكيل شخصيته منذ الطفولة، حيث كانت أول من آمن به وأول من علّمه الصبر على العمى وقسوة الحياة. إنها لم تكن مجرد والدة، بل كانت البوصلة التي توجهه نحو المجد.
رمزية الأم في الديانات والثقافات
في الإسلام، تحتل الأم مكانة عظيمة، فقد أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم مرارًا، حين قال: “أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك”، دلالة على أهمية بر الأم ثلاث مرات قبل الأب. وجعل القرآن الكريم بر الوالدين مقرونًا بطاعة الله، قال تعالى:
“وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا” [العنكبوت: 8].
في الديانة المسيحية، نجد مثال مريم العذراء كأم مثالية في المحبة والإيمان، حيث كانت رمزًا للحنان والتضحية. وتكرّم الكنيسة الأم وتحتفل بها باعتبارها مصدر المحبة والتنشئة الروحية.
أما في الديانة البوذية، فتُعتبر الأم مصدر الكارما الإيجابية، لأن الأعمال الصالحة التي تقدم للأم تعد من أعظم القربات.
الأم في الأمثال الشعبية
حملت الأمثال الشعبية، رغم بساطتها، عمقاً دلالياً عظيماً في تصوير الأم:
-
“الجنة تحت أقدام الأمهات.”
-
“أمك ثم أمك، لو صكتك بيدها اليمنى صافحها باليسرى.”
-
“ما في حنية مثل حنية الأم.”
-
“إذا أردت أن ترى المستقبل، فانظر إلى قلب أمك.”
-
“كل شيء يُعوّض إلا الأم.”
-
“حياة الأم كتاب، لا يقرأه إلا من فَقَدَه.”
علم النفس والأمومة
تُجمع نظريات علم النفس الحديث على أهمية دور الأم في بناء شخصية الطفل. فمدرسة التحليل النفسي التي أسسها فرويد تُعلي من دور الأم في بناء الـ”أنا”، إذ يرى أن أول ارتباط عاطفي للطفل يكون مع الأم، وهو ما يشكل أساس حياته العاطفية المستقبلية. أما مدرسة التعلّم السلوكي، فترى أن سلوكيات الطفل وتصوراته تتأثر بشكل كبير بطريقة تعامل أمه معه خلال مراحل النمو المختلفة.
كما تؤكد أبحاث علم الأعصاب أن العناق، واللمس، والصوت الحنون للأم، يُنشّط مناطق معينة في دماغ الطفل ترتبط بالطمأنينة والانتماء. وقد بينت الدراسات أن الأطفال الذين يحظون بعلاقة دافئة ومستقرة مع أمهاتهم يميلون إلى تحقيق أداء أكاديمي واجتماعي أعلى من غيرهم.
الأمومة والعطاء غير المشروط
تتميّز الأم بعطائها اللامحدود، إذ تقدم دون أن تنتظر مقابلًا، وتحب دون أن تفرض شروطًا. وهذا ما جعل الأم تُوصَف في علم الأخلاق على أنها “الفاعل الأخلاقي الأسمى”، أي الشخص الذي يعطي من ذاته لأجل الآخر دون منّة أو انتظار.
وفي هذا السياق، يعبّر علماء الاجتماع عن الأم بوصفها مركز التماسك الأسري، فإذا كانت الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، فإن الأم هي القلب النابض داخل هذه النواة، تحركها القيم، والرعاية، والحنان، والإيثار.
نماذج لأمهات عظيمات في التاريخ
لقد أنجبت البشرية أمهات خلدهن التاريخ، منهن:
-
آمنة بنت وهب، والدة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي أنجبت خير البشر وربّته على القيم رغم يتمه المبكر.
-
مونيكا، والدة القديس أوغسطين، التي بفضل صبرها وإيمانها تحوّل ابنها من حياة اللهو إلى حياة القداسة.
-
بارك يونغ-سو، أمّ كورية جنوبية أصبحت رمزاً للنضال ضد العنف الأسري والتهميش.
-
نوال السعداوي، التي كانت طبيبة وناشطة، وأمّاً ألهمت أجيالاً من النساء في العالم العربي.
الأم في العصر الحديث: تحديات جديدة
في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة، تواجه الأم اليوم تحديات مركبة تجمع بين العمل، وتربية الأبناء، وتحقيق الذات. فقد أصبح من الضروري الاعتراف بأن الأم المعاصرة ليست فقط “ربة منزل”، بل كيان مستقل يسعى للموازنة بين عطاء الأسرة ومتطلبات الحياة.
ويؤكد علماء الاجتماع أن دعم الأم المعاصرة يبدأ من تمكينها اقتصاديًا وتعليميًا ونفسيًا، من خلال سياسات مرنة في العمل، وإجازات أمومة عادلة، وحملات توعية مجتمعية تقلل من الضغوط الاجتماعية التي تُفرض عليها.
الأم والمجتمع: علاقة تبادلية
لا يمكن لمجتمع أن يتطور دون احترام الأم وتكريمها. فهي تنشئ الأجيال، وتزرع فيهم القيم، وتحفزهم على الابتكار والعطاء. فحين تُكرّم الأم، تكرّم القيم، ويزدهر الوطن، وتنمو الإنسانية في أبهى صورها.
وقد أثبتت التجارب أن المجتمعات التي تضمن الرعاية النفسية والصحية والاقتصادية للأم، هي المجتمعات التي تحقق معدلات أعلى من النمو البشري، لأنها تضع الأساس السليم لبناء الإنسان منذ ولادته.
المصادر:
-
كتاب: الأم في علم النفس والتربية – د. سامية خضر.
-
كتاب: الأمومة والحضارات – ريتشارد ويليامز.
